فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله عز وجل: {قال اخرج منها} أي: قال الله تعالى لإبليس حين طرده عن بابه وأبعده عن جنابه وذلك بسبب مخالفته وعصيانه اخرج منها يعني من الجنة فإنه لا ينبغي أن يسكن فيها العصاة {مذؤومًا} يعني معيبًا والذأم أشد العيب {مدحورًا} يعني مطرودًا مبعدًا.
وقال ابن عباس: صغيرًا ممقوتًا.
وقال قتادة: لعينًا مقيتًا وقال الكلبي: ملومًا مقصيًا من الجنة ومن كل خير {لمن تبعك منهم} يعني من بني آدم {لأملان جهنم منكم أجمعين} اللام لام القسم أقسم الله تعالى أن من اتبع إبليس من بني آدم وأطاعه منهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قال اخرج منها مذؤومًا مدحورًا}
الجمهور على أنّ الضمير عائد على الجنة والخلاف فيه كالخلاف في {فاهبط منها} وهذه ثلاث أوامر أمر بالهبوط مطلقًا، وأمر بالخروج مخبرًا أنه ذو صغار، وأمر بالخروج مقيدًا بالذمّ والطرد، وقال قتادة: {مذؤومًا} لعينًا، وقال الكلبي: ملومًا، وقال مجاهد: منفيًّا، وقيل: ممقوتًا و{مدحورًا} مبعدًا من رحمة الله أو من الخير أو من الجنة أو من التوفيق أو من خواصّ المؤمنين أقوال متقاربة، وقرأ الزهري وأبو جعفر والأعمش: مذومًا بضم الذال من غير همز فتحتمل هذه القراءة وجهين أحدهما، وهو الأظهر، أن تكون من ذأم المهموز سهل الهمزة وحذفها وألقى حركتها على الذّال والثاني أن يكون من ذام غير المهموز يذيم كباع يبيع فأبدل الواو بياء كما قالوا في مكيل مكول، وانتصب {مدحورًا} على أنه حال ثانية على من جوّز ذلك أو حال من الضمير في {مذؤومًا} أو صفة لقوله: {مذؤومًا}.
{لمن تبعك منهم لأملأنّ جهنّم منكم أجمعين} قرأ الجمهور {لمن} بفتح اللام الابتداء ومن موصولة {ولأملأنّ} جواب قسم محذوف بعد من تبعك وذلك القسم المحذوف وجوابه في موضع خبر من الموصولة، وقرأ الجحدري وعصمة عن أبي بكر عن عاصم {لمن تبعك منهم} بكسر اللام واختلفوا في تخريجها، فقال ابن عطية: المعنى لأجل من تبعك منهم {لأملأن} انتهى، فظاهر هذا التقدير أنّ اللام تتعلق بلأملأن ويمتنع ذلك على قول الجمهور أن ما بعد لام القسم لا يعمل فيما قبله، وقال الزمخشري بمعنى لمن تبعك منهم الوعيد وهو قوله: {لأملان جهنم منكم أجمعين} على أنّ {لأملانّ} في محل الابتداء و{لمن تبعك} خبره انتهى فإن أراد ظاهر كلامه فهو خطأ على مذهب البصريين لأنّ قوله: {لأملأن} جملة هي جواب قسم محذوف فمن حيث كونها جملة فقط لا يجوز أن تكون مبتدأة ومن حيث كونها جوابًا للقسم يمتنع أيضًا لأنها إذ ذاك من هذه الحيثية لا موضع لها من الإعراب ومن حيث كونها مبتدأة لها موضع من الإعراب ولا يجوز أن تكون الجملة لها موضع ولا موضع لها بحال لأنه يلزم أن تكون في موضع رفع لا في موضع رفع داخلًا عليها عامل غير داخل وذلك لا يتصور، وقال أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي: اللام متعلقة من الذأم والدّحر ومعناه أخرج بهاتين الصفتين لأجل أتباعك ذكر ذلك في كتاب اللوامح في شواذ القراءات ومعنى {منكم} منك وممن تبعك فغلب الخطاب على الغيبة كما تقول أنت وإخوتك أكرمكم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ} استئناف كما سلف مرارًا {أَخْرَجَ مِنْهَا} أي من الجنة أو من السماء أو من بينِ الملائكة {مَذْءومًا} أي مذمومًا من ذَأَمه إذا ذمّه، وقرئ {مَذومًا} كَمَسول في مسؤل، أو كَمَكول في مكيل، من ذامه يذيمه ذيمًا {مَّدْحُورًا} مطرودًا {لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} اللامُ موطئةٌ للقسم وجوابه {لأمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} وهو سادٌّ مسدَّ جوابِ الشرط، وقرئ {لِمَنْ تبعك} بكسر اللام على أنه خبرُ {لأملأن} على معنى لِمَنْ تبعك هذا الوعيدُ، أو علةٌ لاخرُجْ و{لأملأن} جوابٌ محذوفٌ ومعنى {منكم} منك ومنهم على تغليب المخاطب. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ} استئناف كما مر غير مرة.
{اخْرُجْ مِنْهَا} أي من الجنة أو من زمرة الملائكة أو من السماء الخلاف السابق {مَذْءومًا} أي مذمومًا كما روي عن ابن زيد أو مهانًا لعينا كما روي عن ابن عباس وقتادة، وفعله ذأم.
وقرأ الزهري {مذومًا} بذال مضمومة وواو ساكنة وفيه احتمالان الأول أن يكون مخففًا من المهموز بنقل حركة الهمزة إلى الساكن ثم حذفها، والثاني أن يكون من ذام بالألف كباع وكان قياسه على هذا مذيم كمبيع إلا أنه أبدلت الواو من الياء على حد قولهم؛ مكول في مكيل مع أنه من الكيل، ونصبه على الحال وكذا قوله تعالى: {مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} وهو من الدحر بمعنى الطرد والإبعاد، وجوز في هذا أن يكون صفة.
واللام في قوله سبحانه: {لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} على ما في الدر المصون موطئة للقسم ومن شرطية في محل رفع مبتدأ.
وقوله عز اسمه {لأَمْلأَنَّ مَنْكُمْ أَجْمَعينَ} جواب القسم وهو ساد مسد جواب الشرط، والخلاف في خبر المبتدأ في مثل ذلك مشهور، وجوز أن تكون اللام لام الابتداء ومن موصولة مبتدأ صلتها جواب القسم وهو ساد مسد جواب الشرط، والخلاف في خبر المبتدأ في مثل ذلك مشهور، وجوز أن تكون اللام لام الابتداء ومن موصولة مبتدأ صلتها {تَبِعَكَ} والجملة القسمية خبر.
وقرأ عصمة عن عاصم {لِمَنْ} بكسر اللام فقيل.
إنها متعلقة بلأملان.
ورد بأن لام القسم لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وقيل: إنها متعلقة بالذأم والدحر على التنازع وأعمال الثاني أي أخرج بهاتين الصفتين لأجل اتباعك وقيل: إن الجار والمجرور خبر مبتدأ محذوف يقدر مؤخرًا أي لمن اتبعك هذا الوعيد.
ودل على قوله سبحانه: {لاَمْلاَنَّ} الخ، ولعل ذلك مراد الزمخشري بقوله: أن {لاَمْلاَنَّ} في محل المبتدأ و{لَّمَن تَبِعَكَ} خبره كما يرشد إليه بيان المعنى.
و{مّنكُمْ} بمعنى منك ومنهم فغلب فيه المخاطب كما في قوله سبحانه: {أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النحل: 55] ثم إن الظاهر أن هذه المخاطبات لأبليس عليه اللعنة كانت منه عز وجل من غير واسطة وليس المقصود منها الإكرام والتشريف بل التعذيب والتعنيف، وذهب الجبائي إلى أنها كانت بواسطة بعض الملائكة لأن الله تعالى لا يكلم الكافر وفيه نظر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}
أعاد الله أمره بالخروج من السّماء تأكيدًا للأمرين الأولِ والثّاني: قال: {اهبط منها} إلى قوله: {فاخرج} [الأعراف: 13].
ومذءوم اسم مفعول من ذَأمه مهموزًا إذا عابَه وذمَّه ذَأمًا وقد تسهل همزة ذأم فتصير ألفًا فيقال ذَام ولا تسهل في بقيّة تصاريفه.
مدحور مفعول من دَحره إذا أبعده وأقصاه، أي: أخرجُ خروجَ مذمُوم مطرود، فالذّم لِمَا اتّصف به من الرّذائل، والطّرد لتنزيه عالم القُدس عن مخالطته.
واللاّم في {لمن تبعك} موطئة للقسم.
ومَن شرطية، واللاّم في لأمْلأنّ لام جواب القسم، والجواب ساد مسد جواب الشّرط، والتّقدير: أُقسِم من تبعك منهم لأمْلأنّ جهنّم منهم ومنك، وغُلِّب في الضّمير حال الخطاب لأنّ الفرد الموجود من هذا العموم هو المخاطَب، وهو إبليس، ولأنّه المقصود ابتداء من هذا الوعيد لأنّه وعيد على فعله، وأمّا وعيد اتّباعه فبالتّبع له، بخلاف الضّمير في آية الحجر (43) وهو قوله: {وإن جهنّم لموعدهم أجمعين} [الحجر: 43] لأنّه جاء بعد الإعراض عن وعيده بفعله والاهتمام ببيان مرتبة عباد الله المُخْلَصين الذين ليس لإبليس عليهم سلطان ثمّ الإهتمام بوعيد الغاوين.
وهذا كقوله تعالى في سورة الحجر (41 43): {قال هذا صراط عليّ مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين} والتّأكيد بأجمعين للتّنصيص على العموم لئلا يحمل على التّغليب، وذلك أنّ الكلام جرى على أمّة بعنوان كونهم إتباعًا لواحد، والعرب قد تجري العموم في مثل هذا على المجموع دون الجمع، كما يقولون: قتلت تميمٌ فُلانًا، وإنّما قتله بعضهم، قال النّابغة في شأن بني حُنّ بحاء مهملة مضمومه:
وهُمْ قتلوا الطاءِى بالجَوّ عَنْوَة

. اهـ.

.قال القاسمي:

{قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [18].
{قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوما} بالهمزة في القراءة المشهورة، من ذأمهُ، إذا حقره وذمه، وقرئ {مذوماُ} بذال مضمومة وواو ساكنة، وهي تحتمل أن تكون مخففة من المهموز، بنقل حركة الهمزة إلى الساكن ثم حذفها، وأن تكون من المعتل، وكان قياسه مذيم كمبيع، إلا أنه أبدلت الواو من الياء، على حد قولهم مَكُول في مكيل، ومَشوب في مشيب.
{مَدْحُورًا} مقصيًا مطرودًا.
{لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ} اللام فيه، لتوطئة القسم، وجوابه: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}، أي: لمن أطاعك من الجن والإنس، لأملأن جهنم من كفاركم، كقوله تعالى: {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}.
قال الجشميّ: وإنما قال ذلك لأنه لا يكون في جهنم إلا إبليس وحزبه من الشياطين، وكفار الإنس وفساقهم، الذين انقادوا له وتركوا أمر الله لأمره، فجمعهم في الخطاب، ومتى قيل: لم ضيَّق جهنم ووسَّع الجنة؟ قلنا: لأن جهنم حبس، والجنة دار ملك.
ومتى قيل: فما الفائدة في قوله: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ} قلنا: لطفًا ليكون المكلف تبعًا للأنبياء دون الشياطين، ولطفًا لإبليس وحزبه، لأنه غاية في الزجر والنهي.
تنبيه:
قال الجشمي: تدل الآية على الوعيد لمن تبع إبليس، وأنه يملأ جهنم منهم، ولابد فيه من شرط، وهو أن لا يتوب، أو لا يكون معه طاعة أعظم، وتدل على إذلال إبليس وطرده ولعنه بسبب عصيانه، تحذيرًا عن مثل حاله. اهـ.